اثبتت المواد الارشيفية التركية وكذلك الوثائق الشخصية العائدة الى طلعت باشا، بان طلعت كان بالفعل مهندس الابادة الجماعية الارمينة. هناك تقرير واضح يشير الى ان طلعت هو من أصدر الاوامر بترحيل الارمن العثمانيين بين 1915-1916 وأنه هو من أشرف عليها شخصيا. وتظهر الوثائق بأن طلعت كان يتلقى تقارير مفصلة حول مراحل التهجير المتعلقة بالارمن على اختلاف مراحلها وتلك المتعلقة بمصير الذين كانوا يخضعون لمعاملة خاصة.
وبالرغم من وجود تقارير عديدة في الارشيف العثماني لاتزال غير متاحة ، الا أن التقارير المتاحة تظهر أن تهجير الارمن العثمانيين كان ستارا لابادتهم. وتشير التقارير العثمانية في الارشيف التركي وكذلك تقرير طلعت باشا لعام 1917، الى أن أقل من 100 ألف أرمني نجا من ما سمي بعملية اعادة اسكان الارمن. فبحسب تقرير طلعت لعام 1917 حول الابادة الجماعية الارمنية، فان معظم الارمن القاطنين في السلطنة العثمانية قد اختفوا بين 1915-1917، أو تناثروا في مختلف ولايات السلطنة بهدف الاندماج القسري. ان عملية الاندماج القسري للارمن تدل على قوة وسيطرة وهدف السلطنة تجاههم.
إن نشر صورة طبق الأصل مؤخراً عن الكتاب الأسود لـطلعت باشا، في وسعه أن يجيب إجابة وافية عن أسئلة كثيرة بصدد السلطة المسؤولة عن التقارير العثمانية. إذ يضم الكتاب في صفحاته السبع والسبعين قسماً أساسياً عن ترحيل الأرمن خلال 1915 – 1917. والكتاب ومحتواه لم يكشف عنهما قط وطلعت على قيد الحياة، بما في ذلك مذكراته المنشورة بعد وفاته عام 1921. واحتفظت أرملته عقب اغتياله في 1921 بالكتاب، وأعطته للمؤرّخ التركي مراد بردكتشي في 1982. ونشر السيد بردكتشي أجزاء من الكتيب في صحيفة “حرّيت” عام 2005. أما العرض الكامل فلم ينشر حتى نهاية 2008 .
وتتمثّل أهمية “الكتاب الأسود” في النفوذ الذي تمتع به صاحبه، الأمر الذي يشير إلى أن محتواه مقتطع من التقارير العثمانية الإدارية التي لم تعد متيسرة للمؤرّخين في تركيا، وإلى المعلومات الحقيقية التي يوردها بشأن ترحيل الأرمن. إذ لا يقدم الكتاب ولا معطياته تواريخ مؤكّدة وواضحة، بالرغم من اعتقاد السيد بردكتشي إن الأرقام تحيل إلى عامي 1915 – 1916 .
وتؤكد أرقام طلعت باشا ان مليون ونصف المليون ارمني قد اختفوا في السلطنة العثمانية بين 1915-1917. وهذه الارقام تشمل ما يزيد على مئة الف ارمني فروا من السلطنة العثمانية عام 1915 (وقد توفي معظمهم نتيجة الجوع والمرض)، ولكنها لاتشمل عشرات الالاف من النساء والاطفال الارمن الذين تم استيعابهم من قبل عائلات تركية أو تم وضعهم في مياتم تابعة للدولة بهدف دمجهم.
بهذا الكتاب يناقش المؤرخ آرا صرافيان تقرير طلعت باشا لعام 1917 حول الابادة الجماعية الارمنية قي ضوء تقارير عثمانية أخرى. فهو يقدم الاحصاءات كما وردت في كتاب طلعت بكل تفاصيلها ، اضافة الى خارطتين ملونتين تشرحان محتوى التقرير. صرافيان يعرض لتوزيع أعداد الارمن، ومحافظاتهم الاصلية واماكن تواجدهم في السلطنة في عام 1917.